pregnancy

تابعنا على فيسبوك

مسرح العرائس

اشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك. 
سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح. 

جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض. 

خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة. 
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر.. 

رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق. 

عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته. 

و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان 
من الجذور. 

تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم. 
و سمعت في قلبي صراخا يناديك. 

كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي.. 
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك. 
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية. 
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء. 

و عدت أنا إليك. 
لا إله إلا أنت. 
سبحانك 
و لا موجود سواك 
القرب منك يضيف. 
و البعد عنك يسلب. 
لأنك وحدك الإيجاب المطلق. 
و كل ما سواك سلب مطلق. 


علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي. 
أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق. 


فأقول باكيا. 
سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك. 
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين. 
تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل. 
شفيعي إليك صدقي. 
و عذري إليك حبي للحق. 
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير. 
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة. 

و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات. 
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة. 


ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي. 
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك. 


رب لا أشكو و لكن أرجو. 
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني. 
أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض. 



المصدر : كتاب (( أناشيد الإثم و البراءة )) 
شكرا لتعليقك